ايران تصدت للقرصنة الامريكية وحرسها الثوري “حرر” ناقلاته المخطوفة بعملية عسكرية مدروسة.. كيف سيكون رد بايدن على هذه الهزيمة الموجعة؟ هجوم مضاد موسع؟ ام ابتلاع الإهانة ورفع الرايات البيضاء؟

عبدالباري عطوان

أخيرا، وبعد تلكؤ ارتباكي، اعترف مسؤولون امريكيون بالرواية الإيرانية الموثقة بالصور والفيديوهات، التي اكدت نجاح قوات تابعة للحرس الثوري في تحرير ناقلة نفط إيرانية احتجزتها عدة سفن ومروحيات تابعة للجيش الأمريكي في بحر عُمان، وافرغت حمولتها في ناقلة أخرى ترفع العلم الفيتنامي.

قوات الحرس الثوري هاجمت السفن الامريكية، وحررت الناقلتين الإيرانية المختطفة، والفيتنامية التي جرى نقل حمولتها اليها، وقادتهما الى المياه الإقليمية الإيرانية قرب ميناء عبدان، عبر عملية انزال جوي لفرق كوماندوز، ولم تجرؤ القوات والسفن الحربية الامريكية على اطلاق رصاصة واحدة، حسب تقارير وكالات انباء عالمية استندت الى تسريبات أمريكية شبه رسمية.

مسؤول امريكي اعترف لمجلة “نيوزويك” ان عدة قوارب للحرس الثوري قامت بالهجوم على قافلة النفط المخطوفة، والأخرى التي جرى تفريغ محتواها في خزاناتها في عملية انزال جوي، الامر الذي اعطى مصداقية كبيرة للإعلام الإيراني الذي كشف النقاب عن هذه المواجهة البحرية منذ الصباح الباكر وسط صمت رسمي امريكي.

التوتر بدأ يتصاعد في مياه الخليج وبحر عُمان منذ بضعة أيام، ووصل ذروته قبل ثلاثة أيام تحديدا عندما أرسلت القيادة العسكرية الامريكية القاذفة الامريكية العملاقة “B 1” الى المنطقة وفي معيتها طائرة إسرائيلية من طراز “اف 15” في “استفزاز” غير مسبوق لإيران.

قبل بضعة ايام طالب دينيس روس المبعوث الأمريكي الأسبق للشرق الاوسط واحد ابرز “نجوم” اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، إدارة بايدن بالتهديد بالعمل العسكري ضد ايران التي باتت على حافة “العتبة النووية” وارسال هذا النوع من القاذفات العملاقة مع إسرائيل لتدمير المنشآت النووية الإيرانية المدفونة وسط الجبال.

وبالتوازي مع هذا التحريض “المدروس” تقوم “إسرائيل” حاليا بمناورات عسكرية تشارك فيها جميع اذرعها العسكرية بمحاذاة الحدود اللبنانية، ويركز جوهرها على الاستعداد لمواجهة هجمات صاروخية مكثفة من قبل “حزب الله” وتهيئة الجبهة الداخلية لحرب طويلة المدى قد تمتد لأسابيع، مما يعني العيش في الملاجئ، ووقوع خسائر بشرية ضخمة، وانقطاع الخدمات العامة من ماء وكهرباء، وزحام شديد على المستشفيات، وربما حالة هروب جماعية.

خطف القوات الامريكية المرابطة في منطقة الخليج وبحر عُمان لناقلة نفط إيرانية، يشكل ابشع أنواع القرصنة الرسمية، وإعلان حرب علنية ضد ايران، الهدف منها جرها الى مواجهة عسكرية ربما باتت وشيكة، في حال خضوع إدارة بايدن للتحريض الإسرائيلي ضد ايران.

الرد الإيراني الفوري، والناجح، جاء صادما للإدارة الامريكية وقيادتها العسكرية، لأنها توقعت “امتصاص” ايران الضربة، وعدم الرد، على غرار ما يحدث حاليا من هجمات على قواتها ومخازن أسلحتها في سورية، فقرار الرد في مياه الخليج والمحيط الهندي، احادي، أي إيراني صرف، بينما الرد على الهجمات الإسرائيلية، ومن الأراضي السورية، ثنائي او حتى ثلاثي، يحتاج الى موافقة كل من الحكومتين الروسية والسورية، والمعلومات المتوفرة لدينا تقول ان هناك معارضة قوية منهما، والجانب الروسي بالذات، على أي غارة إسرائيلية.

الرسالة الإيرانية التي حملتها عملية الانزال الجوي لقوات الحرس الثوري، وتحرير الناقلة الإيرانية، وجر الفيتنامية المحملة بالنفط الإيراني المسروق، تقول بالحرف الواحد “نحن لا نخشاكم، وجاهزون للمواجهة العسكرية، والرد على أي عدوان يستهدفنا مهما كان الثمن”.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن رد الفعل الأمريكي على هذا الموقف الإيراني الشجاع، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، الذي القى الكرة في الملعب الأمريكي، خاصة بعد ان رفضت السلطات الإيرانية العودة الى مائدة المفاوضات النووية مع الدول الست الكبرى بزعامة أمريكا بالتهديدات العسكرية بالشروط الامريكية.

المقولة السابقة التي كانت تتردد وتحظى بسخرية بعض عرب امريكا، بأن محور المقاومة سيرد على أي عدوان امريكي او إسرائيلي، في الوقت والزمان المناسبين، قد سقطت، وانتهى عمرها الافتراضي، بعد اكتمال الاستعدادات للمواجهة ضد أي عدوان للتحالف الأمريكي الإسرائيلي وبات “الرد الفوري” هو عنوان المرحلة المقبلة.

ندرك جيدا ان أمريكيا دولة عظمى، وتملك حاملات طائرات، وقاذفات عملاقة، وقنابل نووية، ولكنها تملك في الوقت نفسه قواعد في المنطقة، ابرزها القاعدة الإسرائيلية، وهذه القواعد ستكون هدفا للرد على أي عدوان على ايران ومحورها من اكثر من جبهة.

أمريكا التي منيت بهزيمة فاضحة في أفغانستان، وانسحبت بشكل مهين منها، قبل أربعة اشهر فقط، ما زالت تلعق جراحها، وتحاول التعايش مع هذه الهزيمة، ولا نعتقد انها بصدد الوقوع في المصيدة الإيرانية التي قد تكون اكثر كلفة على  الصعد كافة، وبضغط من الحكومة الإسرائيلية، فالتورط في حرب مع ايران قد يعني استغلالها من قبل الصين لاستعادة تايوان عسكريا، واحكام سيطرتها على كل شرق آسيا.

نحن في انتظار رد الفعل الأمريكي الذي لم يصدر حتى كتابة هذه السطور، وستكون لنا عودة في الحالين، صدوره او عدمه، وميل إدارة بايدن للصمت، وامتصاص الازمة، ايثارا للسلامة وتقليص الخسائر.. وربما يكون الخيار الأرجح.. والله اعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com